الأربعاء، 23 مارس 2011

Article: السعودية وحاجتها الماسة لايران #Saudi #Iran

السعودية وحاجتها الماسة لايران
 

 تحتاج السعودية لايران في قضية داخلية مهمة فشل النظام السعودي ان يحلها وهي قضية الهوية الوطنية للكيان. تأرجحت هذه الهوية منذ الثلاثينات من القرن المنصرم بين هوية اسلامية واخرى عربية. لوح النظام باسلامية اممية اصطدمت اول ما اصطدمت بخارطة العالم العربي المنبثقة من دهاليز السياسة البريطانية وخاصة في منطقة الخليج والتي حجمت المشروع الوهابي ـ السعودي وحصرته في حدوده الحالية وبذلك قضت على حلمه في ضم مشيخات الخليج وتوحيد الجزيرة العربية ناهيك عن الحلم المستعصي منذ قرون وهو حلم ابتلاع اليمن.

وظلت الهوية الاسلامية محصورة ومقيدة رغم انها استمرت ترفع كشعار يختزل بين الحين والحين في احصائيات المساعدات والتبرعات للعالم الاسلامي. ظل الامر هكذا حتى سقطت هذه المنظومة مع اندلاع العنف الجهادي في السعودية وخارجها حيث اتضح للنظام ان الهوية الاسلامية المعلنة للنظام لم تثبت ولاء الشعب للوطن بل جعلته يسترسل في الدفاع عن المعذبين في الارض من مسلمي الشيشان ومندناو ويهاجم حكومته بسبب تخاذلها بل تآمرها على مسلمي المعمورة بعد نزهة قصيرة في جبال افغانستان ظلت رهينة الحرب الباردة والمخطط الامريكي لتصفية الاتحاد السوفييتي. ومع تآكل الهوية الاسلامية كان هناك خط مواز يظهر على استحياء. هذا الخط تمحور خلف الهوية العربية والتي اصطدمت بمعطيات التاريخ الحديث ورغبة السعودية في ازاحة مصر عن الساحة العربية بعد هزيمة 1967 وصلح 1979. حديث العروبة جاء متأخرا بعد عقود من الترنح والمؤامرة فلم يفلح في تثبيت جذوره في الداخل السعودي. وظلت الهوية الاسلامية والعربية للكيان السعودي هويات تتعاطى وتستجدي مفاهيم كبيرة اكبر بكثير من طموح وقدرات ورغبات النظام السعودي. بعد هاتين المرحلتين تم اختراع هوية جديدة تحت مسمى الهوية الخليجية المشتركة المبنية على ترابط عائلي اسري ربما هو اليوم يتعرض لامتحان صعب وعسير قد يقصم ظهر هذه الهوية الى الابد.

وظل شعب الجزيرة محتارا في امر هذه الهويات الكبيرة الاقليمية او العالمية حتى جاءت احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) وبعد مناصحة طاقم كبير من المستشارين والمفكرين تم اقرار مبدأ الهوية السعودية كحل اخير لأزمة الهوية الوطنية. نحن اليوم بصدد محاولة النظام ترسيخ هوية تعتمد على سعودة المجتمع فكريا وسياسيا وثقافيا من خلال التعريف بالمجموعة من خلال معاداتها للآخر. لذلك يترتب على مشروع صياغة الهوية السعودية وجود هذا الآخر الايراني بثقافته وتاريخه وطائفته وطموحاته. لا تستطيع سعودة الهوية المحلية ان تكون مبنية على التمايز مع دولة عربية قطرية اخرى كمصر او الجزائر او سورية لما في ذلك من اتصال لغوي وثقافي وتاريخي وحضاري لن تستطيع سعودة الوطن ان تلغيه لذلك تلعب ايران اليوم الدور الرئيسي في عملية التعريف بالمسمى السعودي. فتحتاج السعودية ونظامها ايران كي تبني هوية تقوم على الاختلاف والتباعد مع كل ما هو فارسي - صفوي ـ شيعي ـ هذا التباعد يساعد النظام على تبلور هوية سعودية مبنية على العداء للآخر المختلف. ونعرف دوما ان الانظمة التي تواجه خللا داخليا في تركيبتها وعلامات استفهام كبيرة على قواسمها المشتركة مع شعبها هي انظمة تسعى لان تعوض عن الاهتزاز الداخلي بحرب او حروب خارجية ضد هذا الآخر العدو حتى تستجدي لحمة ولو آنية من مجتمعها في حالة اغتراب قديمة. فالحرب على الآخر العدو ربما هو محاولة بائسة لاستجداء تبلور الهوية الوطنية من خلال الحشد والتجمهر خلف المؤسسة العسكرية. وبما ان المواجهة المباشرة مع ايران تعتبر مغامرة ومخاطرة رهيبة بالنسبة لنظام كالنظام السعودي نجد ان سعودة الوطن وتثبيت الهوية السعودية قد ارتبط في السنوات القليلة الماضية بحملات عسكرية محدودة ولكنها ذات اهداف محددة.

بدأت هذه الحملات مع الحرب القصيرة على الحوثية في شمال اليمن بعد ان صورت هذه الحرب وكأنها حرب سعودية هدفها الحد من المد الايراني ورغم تقارير اكثر المراكز مصداقية في البحث كمنظمة ادارة الازمات التي نفت اي ارتباط بين الحوثية وايران ووجود اسلحة ايرانية في يد الحوثيين. وربطت هذه الاسلحة بعمليات بيع يقوم بها عدد من جنرالات وضباط المؤسسة العسكرية اليمنية رغبة بالربح نجد ان السعودية ضللت شعبها عندما ارسلت جيشها الى الحدود السعودية اليمنية دفاعا عن الوطن في وجه المد الايراني. واليوم يصور النظام السعودي انتشار قواته الامنية في البحرين كعملية لصد فرسنة المنطقة تحت مظلة ايران علّه بذلك يضمن تجييش المجتمع خلف هوية سعودية في اطار العسكرة لهذه الهوية. فترتفع أصابع قوات الامن السعودية باشارة النصر مجبرين على امرهم مكرهين على عمل ربما يعتقد الكثيرون منهم أنهم بغنى عن هذه المواجهة والتي قد تضعهم وجها لوجه امام عملية قتل وابادة لمسلمين في بلد مجاور. وان تمعنا في وجوههم الفتية لوجدنا ان ابتساماتهم التي اجبروا على توزيعها من سقف مدرعاتهم جاءت باهتة مغمورة بلغة عيون حزينة كانت اصدق من اشارات النصر المرفوعة على جسر العبور وكم نتمنى لهم العودة الى ديارهم قبل ان تتلطخ اياديهم بدماء المسلمين ويزج بهم في مستنقع الهويات المأزومة الفتاكة والتي قد تقسم الاوطان وتحدث شرخا في التركيبة الاجتماعية لن يلتئم بالسهولة التي دخلوا فيها الى البحرين تحت ضغط بحث النظام السعودي عن تلك الهوية السعودية المعرفة ضد ايران. اقترنت محاولة تكوين الهوية السعودية عن طريق العسكرة على الساحة البحرينية بالفكاهة عندما خطت ريشة رسامي الكاريكاتور على صفحات الجرائد السعودية صورا اقرب ما تكون الى الهزلية خاصة عندما صورت قبضة يد سعودية تمدها شرايين خليجية في حلبة ملاكمة يقف فيها على الجانب الآخر القزم الايراني. وما لنا الا ان نقول ما ابعد الخيال الفني عن الواقع وبدلا من الفهم الفكاهي نستبدل الكاريكاتور بتحليل اقرب الى العقل من التضليل المؤدلج للهوية السعودية والتي لا تزال قيد الدرس. ان اي هوية تفرزها معطيات مرحلية موجهة الى الخارج لن تكون هوية راسخة ذات ديمومة اذ انها سرعان ما تتلاشى بتلاشي الخطر الخارجي الحقيقي او المزعوم والهوية القائمة على عسكرة وتجييش المجتمع ضد عدو خارجي سرعان ما تفقد معناها الا اذا كان قدر المجتمع ان يظل مشدودا نحو عدو وهمي فيصور نفسه وكأنه مستهدف ومحاط بأعداء يتربصون به دوما مما يخلق المجتمع المهزوز والمتشنج الذي يعيش على مبدأ الخطر الدائم الخارجي بينما هو يواجه اكبر تحد داخلي لابطال مفهوم الهوية فقط بل يتعدى ذلك الى مفهوم الدولة وعلاقتها بالمجتمع وطريقة انصهار الكتل والمجموعات المتميزة والمختلفة في بوتقة واحدة.

يجب على النظام السعودي ان يقتنع اليوم قبل الغد ان الهوية الوطنية لا تقوم على تجييش المجتمع خلف مغامرات عسكرية بائسة ضد ايران بل تقوم على مؤسسات من اهمها التعليم والتمثيل السياسي والتوزيع العادل للثروة والجيش الواحد وليس المتشظي الذي يخاف الجزء فيه من الجزء الآخر ويتجسس فيه البعض على الكل. هذه المؤسسات وحدها الكفيلة بانبثاق مواطنة مرتاحة ومتصالحة مع الآخر في مجتمعها قبل الآخر الذي هو وراء الحدود بانعدام هذه المؤسسات ستظل الهوية الوطنية حلما مؤجلا ومشروعا ناقصا يبنى على معاداة المركز للطرف واستئثار المركز ومجموعات مرتبطة به بتعريف الهوية على حساب الآخرين الذين يبقون خارج الهوية الجمعية وكذلك يظلون يستأثرون بحصة الاسد يوزعونها على من يشاؤون حسب مبدأ الموالاة للاشخاص وليس للوطن. لقد فشلت فئوية النظام السعودي في استيعاب الكثيرين من ابناء الوطن الذين ظلوا على هامش المؤسسات والهوية الوطنية ولن تنفعنا ايران او معاداتها في صياغة كيان مشترك يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة.

ستبقى عسكرة الهوية السعودية ضد ايران مشروعا ناقصا يقوم على حشد وهمي طائفي من اهم غاياته امتصاص التأجج السعودي الداخلي ليس عند شيعة المملكة بل عند الاكثرية السنية. ويعتقد هذا النظام ان الحشد العسكري ضد ايران اليوم هو الملاذ الاخير لتفادي انفجار الداخل السعودي وفي مجتمع الاكثرية بالذات. وان استطاعت المواجهة في تبلور هوية سعودية آنية الا انها ستفشل في المدى البعيد بسبب محدوديتها وتوجهها نحو العدو الخارجي الآني. لذلك ان استهلكت السعودية عداوة ايران المرحلية ولم تنجح في تثبيت دعائم هوية وطنية حقيقية مبنية على المؤسسات لن يبقى لها سوى ملعب الكرة وتجييش الشباب خلف اوهام الرياضة والتلويح بالاعلام على انغام موسيقية وهمية او رسوم الكاريكاتور الباهتة هذا بالاضافة الى استحضار تراث العصور البائدة المرتبطة بالبعير والعرضة والتي هي بدورها لا تستوعب تعددية الجزيرة العربية في ماضيها وحاضرها.

 

ليست هناك تعليقات: